قد تُلفَّقُ لي تُهمةُ رفض فكرة الإله كي أتهرَّب من العبادة، ماذا عن رفضي للخالق الذي هو ليس بإله؟ ما التُهمة التي ستُلفَّقُ لي حينها؟
تُعتبر فكرة الخالق فكرة بديهية سائدةً لدى أكثر من نصفِ سُكَّان العالم، بإختلاف أديانهم و مبادئهم و مُعتقداتهم ... حتى اللا دينيون ذاتهم يوجدُ النوع الربوبي منهم، هؤلاء اللا دينيين لا يعترفون بالأديان و لكن يؤمنون بوجود خالق.
أنا بذاتي أعتبر نسب فكرة الخالق لفِعل وجود الكون قصورًا في التفكير، فالشخص الذي سيبحثُ في ما يتضمَّنه الكون من كائنات و مجرَّات، لا يستطيع أن يقبل عدم وجود خالق، فحجَّته على ذلك الإعجاز في الخلق.
لماذا ضرورة وجود الخالق للمخلوق قاعدةٌ لا تتماثل و قاعدة ضرورة وجود صانع للمصنوع ؟ :
لنَستبعد كلَّ ما لدينا من حججٍ تنصُّ على وجود إعاقات في صفوف البشر و الحيوانات، و أعضاء في أبدانهم لا يحتاجها كلاهما و لا وظائف و لا غرض من وجوده (و هذا ما ينسِف فكرة "الخلق المُتقن" أسَاسًا) ، لنحذف كلَّ ما نعرفه عن غياب هذا الخالق و عن خوفه من إظهار نفسه، عن تركه للجميع يؤمنون بأفكار كثيرة خاطئة كتلك الموجودة في الأديان و سكوته عنها، في هذا المقال، سنخوض في مسألة كبرى و ضخمةٍ كمسألة وجود الخالق أو عدمه، دون التطرق لأي معلومةٍ علمية.
هل لدى أحدكم فكرةٌ عن هذا البرنامج؟
حسنًا، هذه برمجية تُسمَّى بـ"صانع الألعاب" و بها قضّيت طفولتي في صناعة الألعاب البسيطة، و إستعمال هذا البرنامج سهَّل لي فهم الفرق الشاسع و الواسع بين الخلق و الصنع.
رجاءًا قوموا بالتدقيق في المساحة الرمادية في الصورة لبضعِ ثوانٍ، و خذوا ما بإمكانكم أخذه عن معلومات حول هذه المساحة.
لنقل أنّني أنا الخالق، خلقتُ الكون، بما فيه من مجرّات و كواكب....
دعني أسألك سؤَالًا بسيطا.
أين تقع تونس؟
من المنطقي جدًا أن تقع في مكانٍ ما أكبر منها، صح؟
إذا تقع تونس في إفريقيَا.
أين تقع إفريقيا؟
ستقول في الكرة الأرضية.
ماذا عن الكرة الأرضية؟
في درب التبّانة.
و هذه الأخيرة، اين تقع؟ في مكانٍ ما تتواجد فيه مجرّات، كما تواجدت تونس في مكانٍ تتواجد فيه دول، و كما تواجد إفريقيا في مكانٍ توجد فيه قارات، كما تواجدت الكرة الأرضية في مكانٍ تتواجد فيه الكواكب.
السؤال : ما الذي يلي المكان الذي تواجد فيه درب التبّانة، المكان الذي تتواجد فيه المجرّات؟ طبعًا يجبُ أن تتواجد في مكانٍ ما صح؟
طرحتُ هذا السؤال على أحدِ أصدقائي، فقال أنَّ الناس قبل عشرات العقود لكم يكونوا على علمٍ بمُصطلحاتٍ كالمجرّة و الثقوب السوداء و غيرها ... أي أنّه قد يُحدد العلم بعد مائة عامٍ الإجابة على هذا السؤال.
ما غاب عن صديقي هو أنَّ الأمر لا يحتاج علمًا أو بحثًا بالضرورة، فإنَّ المُتمعِّن في التمشي الأول الذي إعتمدناه (تونس – إفريقيا – الكرة الأرضية – درب التبّانة) سيجدُ الإجابة حتما و هي : في كلِّ مرة سيكتشف العلماء مجالا جديدا، ما يلي مكان المجرَّات، و من ثم المكان الذي يلي المكان الذي تواجدت فيه المجرّات، و هكذا، و ستضل الدائرة لا تنهي بتاتا، تمامًا كفكرة الخالق ، فإن سألنا من أوجد الكون ستكون إجابتنا خالق و من ثم من أوجد الخالق و بعدها من أوجد خالق الكون و هكذَا، فالأمر أشبه بسؤال : كم عددًا يلي رقم واحد أو كم عددا نستطيع وضعه بعد الفاصل.
لذلك الأمر أشبه بالوهم، أو أنَّ المنطق ينتهي أمره بعد المُباشرة في سؤالِ أسئلةٍ ميتافيزيقية و لهذا، أقرَّت الفلسفة بأن كل هذه الأسئلة هي أشبه بمشاكل زائفة و تخلَّت عن كلِّ شيءٍ يربطها بها.
سأعود للصورة التي وضعتها، ترون في الصورة أن المساحة الرمادية في البرمجية لديها حدود، صح؟
فهل يصحُّ القول مثلا أنَّه لن ستتالى السلسلة حسب الترتيب التالي ؟ (تونس ثم إفريقيا ثم الكرة الأرضية ثم درب التبّانة ثم لا شيء) ؟
فإن كانت المساحة الرمادية محدودة و لا يليها شيء، و هذا ليس بأمرٍ يُخالف المنطق، فكيف لا يكون الحال كذلك بالنسبة للكون أيضًا؟
في الحقيقة، ما سيُخيبُّ ظنّنا و فرحتنا، هو أنَّ تلك المساحة الرمادية ليست محدودة، فالمعادلة هي كالآتي (المساحة الرمادية ثم برنامج صانع الألعاب ثم الكمبيوتر الذي يتواجد فيه البرنامج ثم الغرفة التي يوجد فيها الكمبيتور ...) و الخلاصة هي أنَّ ما يلي المساحة الرمادية هي عالمنا هذا، و هكذا ننفي إلزامًا إحتمال وجود مساحة أو شيءٍ محدود و لا يليه شيءٌ آخر.
التشاريع الإلهية : كيف تكون هذه التشاريع كاملةً؟
لنتعامل مع المسألة على أنّنا لم نتحدث أبدًا في فكرة الخالق، و أننا نحنُ أغبياء و من يؤمنون بالخالق عُقلاء.
لنفترض كذلك أنَّ الخالق المزعوم هذا قرر في أحد الأيام أن ينزِّل تشاريع و أحكام، إن إتبَّعناها فإننا محظوظون، لأن هذه الأحكام كاملة و ليست كغيرها من الأحكام و هي ربما قابلة للنقد و النقاش و لكن في النهاية مهما نقدتها أو إنتقدتها فإنَّها صائبة شِئت أم كرِهت.
أولًا ما تعريفنا للكمال؟
إن كان الكمال من صفاته عدم تخليف الأضرار فهذا يُجرِّد الإله من كماله.
فلنُلقي نظرة حول بعض التشاريع القرآنية الإلهية ...
كلُّنا نعرفُ كمّية العقوبات العنيفة الموجودة في هذا الكتاب، فبغضِّ النظر عن الحكمة من كلِّ تلك العقوبات، تبقى غير كاملةً مادامت تخلِّف ضررًا.
طبعًا أستطيع أن أعدد بدائل كثيرة للعقاب على السرقة مثلا بدل قطع اليد، و لكن سيخرجُ بديلي دائما بأنَّه غير حكيم و أنَّ قطع اليد هي العقوبة المُثلى.
كان هذا الإله يستطيع أن يخرج من رأسه فكرة الإقدام على السرقة، و لكن طبعًا هذا يسلبه حرّية الإختيار.
كان هذا الإله تغيير أن يُنسيه فكرة الإقدام على السرقة و لكن هذا أيضًا يسلبه حرية الإختيار،
لكن أن يولد دون إختياره، و أن يوضع له إسمٌ دون إختياره، و جنسٌ دون إختياره، طبعا هذا أيضًا لا يسلبه حرّية الإختيار.
كان الله بإستطاعته أن يسأل الإنسان ما إن كان يريد القدوم إلى الحياة أم لا، لكن هذا يسلب الإنسان حرّية الإختيار أيضًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق