حدثت لي فرصة أن ألتقي بسيدة، ولندعوها بالسيدة لام، وهي سيدة في السبعين من عمرها، لها احفاد، وبصحة جيدة. السيدة لام فقدت زوجها قبل بضعة أسابيع والان تشكي من ظاهرة غريبة اذ لم يغادر السيد باء (زوجها) هذا المنزل على الرغم من رؤيتها له وهو في الصندوق الخشبي وقد حملوه خارج المنزل بعد ان توقف قلبه بصورة مفاجئة. تقول السيدة لام ” لا زلت أرى باء وهو واقف عند المغسلة يتوضأ كلما ذهبت الى المطبخ…انا اعلم أنه قد رحل، ولكني لا أزال اراه امامي”، سألتها ” وما هو شعورك تجاه رؤيتكِ إياه؟”، اجابت “شعور غريب ممزوج بالخوف، فكيف يمكن أن اراه وهو قد توفى؟ ولذلك اشعر بالخوف اذ أفكر أني قد بدأت بفقدان رشدي بعد رحيله”. وهناك سيدة أخرى كانت قد فقدت حفيدها، ولكنه لا زال امامها وقد رافقها الى استشارية الطب النفسي في بغداد.
لقد احبت السيدة لام السيد باء وقضت معه معظم حياتها وقد شكل فقدانها له صدمة كبيرة على الرغم من وجود عائلتها التي وقفت لتساندها في محنتها. مثل هذه الهلوسات التي حضت بها السيدة لام هي هلوسات شائعة بعد فقدان شخص عزيز وتدعى بهلوسات الحزن grief hallucinations ونسبة حدوثها تتراوح ما بين 30%-60%. هذه الهلوسات تختلف بطبيعتها، فقد تكون مرئية (كما في حالة السيدة لام)، وقد تأتي على هيئة أصوات، وقد تقتصر على شعور بموجود. اما شعور الشخص تجاهها فعلى الأكثر يكون شعور بالرضا والراحة اذ تلعب هذه الهلوسات دور المؤنس الذي يخفف صدمة الفقدان المفاجئ وبالنتيجة تختفي هذه الهلوسات تدريجياً عند تحسن الحالة النفسية للشخص. ولكن، في بعض الأحيان، تكون هذه الهلوسات مصدراً للإزعاج للشخص والذي من الصعب ان يتكلم عنها ليخفف من هذا الانزعاج فقد تفسر هذه الهلوسات على انها علامة من علامات الجنون، لذلك فأن النسبة الأكبر ممن تحدث معهم يفضلون عدم الحديث والالتزام بالصمت حتى تختفي هذه الهلوسات من تلقاء نفسها.
الأساس العصبي لهذه الهلوسات لا زال غير معروفاً، فالأنواع المختلفة منها تشتمل على دوائر مختلفة من الدماغ ولذلك لا زال من الصعب دراستها.
المصادر:
(Baethge, Chr.2002). Grief hallucinations: True or pseudo? Serious or not? An inquiry into psychopathological andclinical features of a common phenomenon. Psychopathology , 35, 296-302.
real-sciences.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق