هل سألت نفسك في يومٍ من الأيام لماذا تكره
الملحدين أو اللا دينيين الذين ينتقدون دينك، بينما هنالك أشخاص مُضطلعون بنفس
الميدان (الدين) جديرون بالكره الذي تكنّه للملحد؟
دعني أسألك سؤالًا، ما الذي يجعلك مُتأكدًا
من أن دينك هو دينٌ سماوي بلا شك؟
ستقول الإعجاز العلمي الموجود في القرآن.
حسنًا، قبل العلماء الذين شهدوا بصحة القرآن،
من حرص على أن يصل صوتُ هؤلاء العلماء لك ، قناة الحوار التونسي؟ جريدةٌ عالمية
مشهورة؟ عالمٌ ضخم يشهدُ كل الناس على خِبرته و ذكائه قام بالخروج علنًا على قناةٍ
يُشاهدها العالم أجمع؟
لا.
إنّهم رجال الدين، و أولهم هؤلاء الذين تقول
أن فتواهم لا تمثل الإسلام و أنهم يخترعون التفسير (لما فيه من غباء) كفتوى إرضاع
الكبير.
نعم، هؤلاء هم من حرصوا على أن يصلك خبر وجود
إعجاز علمي في القرآن، و أنت الذي تكرههم.
في الحقيقة وصول هذا الخبر لك ليس معجزة من
ربَّك و حبُّ منه لك، بل هو حرصُ رجال الدين و خوفهم على أن تُعرض مصالحهم و
نفوذهم إلى الخطر.
ستُطالبني بالدليل، و أنا سأعطيك ما يكفي
منها طبعًا، لكن ما ستفعله هو الجدال و المراوغة و لكن لابأس، قد يستحق الأمر عناء
ذلك.
أول شيء التاريخ يشهدُ على شرور رجال الدين
عامةً و خير دليل على ذلك سلطة الكنيسة في أوروبا في القرون الوُسطى الذين لقوْا
إدانةً من المُشبَّعين بفكرِ التنوير الذين طالبوا بفصل الدين عن الدولة، و هي العلمانية التي
ترفضها أنت اليوم.
هيّا تستطيع تكفير هؤلاء أيضًا و نعتهم
بأعداء الله و نكران جميلهم الذي له دخلٌ كبير في قيام أوروبَا على رجليها اليوم
...
لا تستطيع؟ و أنا أيضًا ظننتُ هذا، لأنه من
العبثي أن تفعل ذلك، و إلا فإنك لن تُخاطر بوضعِ نفسك محلَّ الجاهل الذي يتعالى و
يحقُّر رجالًا يشهد لهم التاريخ على فضلهم.
ما الفرق بين التنويري و الملحد الذي ينتقد
دينك يوميًا؟
في الحقيقة التنويري يكافح سلطة الكنيسة التي
خلّفت النمطية و حرمت الناس حقَّ التعبير على آرائها بحرية، في شتى المجالات، و هو
ما يفعله الملحد أو اللا ديني الناقد للإسلام اليوم.
أ لا يذكرك هذا بأمرٍ ما ؟
إنَّ ما أفسده رجال الدين في أوروبَا سقط على
عاتق فلاسفة الأنوار و غيرهم و همّوا بإصلاح كلِّ ما فسد، و اليوم كلُّ ما يفسده
شيوخ الإفتاء يقوم بإصلاحه الملحدون.
مازلت تكنُّ كرهًا إلينا صحيح؟
سأعطيك مثالًا آخر، أنا واثقٌ من أنَّك لن
تشعر بالذنب بعد أن تقرأ عنه، و أن كرهك لمن يحاول إخراجك من الظلام نحو النور،
لمن يحاول رميك في برِّ الأمان و يحترق هو مكانك لن يتغير.
كلُّنا نعرف سقراط، و قصَّة موته. لقد أُتهم
سقراط بتهمة الهرطقة. كان منتقدًا و ساخرًا لآلهة الأغلبية في عصره، و كان مُدينًا
لما خلَّفته من جهلٍ و تعصُّبٍ و تشاريع فاشلة يُقال أنها تشاريع إلهية.
مات سقراط، و رقص الجميع إحتفالًا بموته، حتى
هؤلاء الذين تضرروا من الآلهة ذاتها، فالحال أن الإنسان يتوق كثيرًا إلى العبودية،
و يهوى تعذيب جلّاده له.
إنَّ أكثر ما يخيف الإنسان هو أن يكون حرًّا.
اليوم، في القرن الحادي و العشرين، بعد مئات
السنوات، نشهدُ كلُّنا اليوم، دون إستثناء، لعظمة سقراط، و لموتهِ ظلمًا، فالحال
أنه إنتقد و سخر من آلهةٍ باطلةٍ غبية، و أراد توعية شعبه.
أ لا تخاف أن يحدث نفس الشيء بعد ألفي سنةٍ
تقريبًا؟ لنفترض أنه ستتواجد الحياةُ من بعدنا بألفي سنة، و سينعدمُ أمرٌ يُسمَّى
الدين، و سيُمحى ما يسمى بسلطةِ رجال الدين نهائيًا.
يدخل واحدٌ من أحفادك الفصل، كي يبدأ الدرس،
بعنوان : مناضلون ماتوا على يد من حاربوا من أجلهم. سيدرس إبنك كيف أنَّ ملحدًا في
السعودية مثلا طٌبقَّ عليه حدُّ الردّة (أي قُتل) بعد أن سخر و آنتقد الدين
الإسلامي و بين تناقضَاته و مواطن البشرية فيه، بعد أن صرخ و قال أنَّ قطع يد
السارق ليست سوى عقوبةٍ إخترعها رجلٌ بدوي يعيش في الصحاري لإخافة شعبه من السرقة
و هي ليست عقوبةً إلهيةً كما يظنُّ البعض، مُدَّعين أن شدَّة العقوبة هي دليل على
حكمة الرب فلولا أنها كانت حادةً كذلك للجأ الجميع للسرقة. كذلك أنَّ مائة جلدةً للزاني ليست عقوبةً عادلة، كذلك هي عقوبةٌ إخترعها نفس البدوي بما أنه لم تكن في تلك
الفترة قيم مثل حقوق الإنسان و حريات الحرمة الجسدية و ما إلى ذلك، و أنَّ الزنا ليس جريمةً إذا رشَّدنا مُمارسته.
يموت بطلنَا أمام مئات المُتفرجين، و هم
شامتون به، ناظرون له نظرة ذلك الكافر الذي تحدى الله، نظرة الزنديق، لعنةَ
البشرية.... و لكنه في الحقيقة ليس سوى شخصًا أحبَّ لشعبه الخير و أراد إخراجهم من
الظلمات.
ختامًا سأنصحك بأمرٍ ما عزيزي القارئ المؤمن،
لا تسمع أحدًا منَّا، آمن دائما أن دينك هو الصحيح، و أن الإعجاز العلمي قدرةٌ
ربّانية و ليس مؤامراتٍ دفع من أجلها شيوخ السعودية المال كما يدّعي الكفرة
الزناديق الملحدون، و إياك أن تشك في وجود إلهك، فإن لم يكن هو أيضا ليس موجودًا،
فمن خلق الكون؟؟؟؟
أنت محق ، لهذا دعك من التفكير و المقارنة
بين الأديان، ستأخذ لمجرى الكفر لهذا إحذرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق