عندما تقع عمليات إرهابية في أوروبا، يطلع الأئمة على الشاشات قائلين “هذا ليس إسلاما. الإسلام ليس دين عنف. الإسلام دين سلام. الإسلام ضد الإرهاب”. هل هم صادقون فعلا؟ أم أنه فقط كلام للإستهلاك الإعلامي؟ هذا ما سنبحثه.
نشير أولا إلى ما يلي:
الإسلام فيه ثلات اتجاهات كبرى: سنة، شيعة و متصوفة
- أغلب المسلمين في العالم و في أوروبا سنيون
- الأئمة و “ممثلي” الديانة الإسلامية الذين يطلعون على الشاشات هم سنيون. و الإسلام الذي يبرؤونه من العنف هو الإسلام السني
- كل المنظمات الجهادية التي ارتكبت عمليات إرهابية في أوروبا هي منظمات تنتمي إلى التيار السنيمصطلح إسلام/مسلمين هو ما سنستخدمه للتدليل على الإسلام السني/المسلمين السنيين على سبيل الإيجاز. و نشير بالمناسبة إلى أن العالم كله يعرف الإسلام السني على أنه هو الإسلام. وسيكون “الجهاد” كما يفهمه المسلمون إنطلاقا من مصادرهم الدينية، هو موضوع بحثنا. متخذين من كتاب “فقه الجهاد” للشيخ يوسف القرضاوي، مرجعا نموذجيا لما يعتقده المسلمون في موضوع الجهاد.
فالقرضاوي هو رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، و عضو بارز في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي. وله مكانة مرجعية في الإسلام من حيث كونه يملك سلطة الإفتاء، أي التحليل و التحريم في الدين. كما أنه يمثل الإسلام المعتدل، لا ذاك “المتشدد” الذي يمثله الوهابيون أو ذاك “المتطرف” الشاذ و الإستثنائي الذي يمثله بن لادن و الظواهري و داعش…
و كتابه هذا جاء جامعا لكل التراث الإسلامي حول موضوع الجهاد.
- ****
- و لنبدأ أولا بعرض سريع لمفهوم “السنة”:
- للإسلام مصدران مؤكدان: القرآن و السنة. و هما يشكلان محتوى العقيدة التي يدين بها المسلمون. السنة هي الأقوال و الأفعال التي نقلت عن الرسول و التي تعطي التطبيق العملي للتعاليم الإلهية التي أتى بها القرآن:“فهي التطبيق العملي لما في كتاب الله ، وقد جاءت عاضدة لآياته ، كاشفة لغوامضه ، مجلية لمعانيه ، شارحة لألفاظه ، موضحة لمبهمه ، كما أنها جاءت بأحكام لا توجد في كتاب الله ، ولم ينص عليها فيه ، وهي لا تخرج عن قواعده وغاياته ، فلا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال ، وذلك لأهميتها العظمى في فهم دين الله والعمل به” – موقع إسلام ويب
و بما أن هذه الأقوال و الأفعال نقلت رواية عن الرسول بعد وفاته بأكثر من قرنين من الزمن، كان لابد من وسيلة يتم بها التحقق من صحة تلك الرواية، في عصر لم يعرف مسجلات الصوت أو الصورة. وكانت هذه الوسيلة هي “علم الحديث”، من خلال فرعه الأهم “علم الرجال” الذي يعنى يالتدقيق في سيرة الأشخاص الذين نقلوا أقوال و أفعال الرسول، للتحقق من خلوهم من الخطأ و الكذب. و سمي هؤلاء الأشخاص بالرواة، و سميت رواياتهم بالحديث.
- ويستعمل المسلمون عبارة “قال رسول الله” عند ذكرهم لحديث صحيح. فهو عند المسلمين قول الرسول وليس إدعاء شخص ما أنه قول الرسول. و يعتبرون من يكذب نسبة السنة الصحيحة للرسول بمثابة من يكذب أقوال الرسول، مما يجعله “كافرا”.
- ****
- هذا عن مكانة السنة في الإسلام و دورها المحوري في تشكيل معتقد المسلمين. أما الجهاد كما جاء في مصادر الإسلام، فهو شقان: شق يتعلق بمقاومة النفس وشهواتها والهوى ووساوس الشياطين…و شق يتعلق بالقتال لإعلاء كلمة الله.
الشق “القتالي” لمفهوم الجهاد هو الذي جعل الإسلام مثيرا للجدل. و هو ما استدعى ظهور أئمة على شاشات التلفاز في أوروبا. و للإشارة، فكلمة “جهاد” تأتي في كتب الفقه الإسلامي بمعنى “القتال”. و نستعملها في هذا البحث بالمعنى نفسه. ولما كان من طبيعة القتال أن يكون طرف معاد لطرف، جاء الإسلام بمفهومي “دار الإسلام” و “دار الحرب”، الذين قسما العالم إلى قسمين، و شكلا مفهومين مرجعيين في وعي المسلمين عند تعاملهم مع غير المسلمين – فقه الجهاد 865.
و الجهاد عبادة مِن العبادات كما جاء في السنة: “مَثَلُ المجاهِد في سبيل الله كمَثَل الصائم القائم، القانت بآياتِ الله، لا يَفتُر من صيام ولا صلاة،حتى يرجعَ المجاهد في سبيل الله تعالى”
و هو أرفع العبادات أجرا في الإسلام كما جاء في الحديث: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَنَامُ الْعَمَلِ. بل هو أفضل من الحج الذي يعتبره المسلمون ركن الإسلام الأعظم، حيث جاء في الحديث: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ”- فقه الجهاد 505-602
و يسمي الإسلام المجاهد الذي يقتل في المعركة بالشهيد. و هي مرتبة عظيمة تلي مرتبة الأنبياء و الصديقين في الجنة، حسب مفهوم المسلمين.
و أفضل الشهداء هو ذلك الذي يدخل المعركة كي يُقتَل، كما جاء كما جاء في الحديث أن رجلا سأل النبي: “أي الشهداء أفضل؟”
قَالَ : ” الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي الصَّفِّ لَا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا أُولَئِكَ فِي الْجَنَّةِ يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي مَوْطِنٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ “.
- فهو يدخل الجنة بلا حساب.
- ****
و الجهاد نوعان:جهاد دفع:
وهو القتال الدفاعي الذي يتم فيه دفع عدوان خارجي عن دار الإسلام. وهو لا يختلف عن “المقاومة” بالمفهوم العصري إلا في تفصيل واحد…و هو أنه يجوز فيه قتل مدنيي دولة العدو.يقول الشيخ القرضاوي في فتواه عن جواز العمليات التي تفجر فيها “حماس” حافلات المدنيين في إسرائيل و تقتل الأطفال و النساء:
“فقهاء المسلمين اتفقوا -أو اتفق جمهورهم- على جواز قتل المسلمين إذا تترس بهم الجيش المهاجم للمسلمين…فإذا جاز قتل المسلمين الأبرياء المكرَهين للحفاظ على جماعة المسلمين الكبرى، فأن يجوز قتل غير المسلمين، لتحرير أرض المسلمين من محتليها الظالمين أحق و أولى”- فقه الجهاد 1194.
و يختم قائلا: “و ما وجد على غير الضرورة المشروعة، من قتل أطفال و نساء و شيوخ، فهو يأتي عن طريق الخطأ غير المقصود، أو عن طريق الضرورة التي تفرضها الحرب بطبيعتها، و لا سيما في عصرنا. و ما جاء للضرورة لا يجوز أن يتوسع فيه، بل يبقى استثناء، و تظل القاعدة مستمرة و ثابتة، و هي: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها” – فقه الجهاد 1197.
جهاد طلب: وهو ذلك النوع من القتال الذي يتم فيه “طلب العدو في عقر داره و تعقبه، بغية توسيع أرض الإسلام أو تأمينها” لأسباب منها “تمكين الجماهير في أرضه من أن تستمع إلى الدعوة الجديدة، دعوة الإسلام. فلا بد من إزاحة هذه الحواجز أمام الشعوب، حتى تبلغ دعوة الله إلى الناس كافة” – فقه الجهاد ص 68-69.
بل إن فقهاء المسلمين جعلوا غزو بلاد الكفر أو التوغل في أراضي الكفار، مرة كل سنة، فرض كفاية على الأمة، ممثلة في حلفائها و أمرائها، الذين تولوا المسؤولية عن أمورها – فقه الجهاد 96.
و يستمد مشروعيته من السنة في مواضع كثيرة، نذكر أشهرها:
“أمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله وأن محمد رسول الله ، ويـقـيـمـوا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى”
“بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم”
“من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق”
كما يستمد مشروعيته من نصوص وردت في القرآن، وبخاصة في سورة التوبة، يفهم منها المسلمون أنها تأمر بقتال المشركين كافَّةً “كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً” (التوبة 36). آية يفهمون أنها تحمل توجيهًا عامَّا، وقاعدة للتعامل مع غير المسلمين كافة.
كما أن هناك إجماعا بين علماء المسلمين على مشروعية غزو الكفَّار في عقر دارهم، وإن لم يَبدؤوهم بقِتال. و اختلفوا فقط في كونه فرْض كفاية أم فرْض عين.
و هذه مقتطفات من أقوال أشهر هؤلاء العلماء:
ابن تيمية: (واللهُ قدْ فرَض على المسلمين الجهادَ لمن خرجَ عن دِينه وإنْ لم يكونوا يُقاتلوننا، كما كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وخلفاؤه يُجهِّزون الجيوش إلى العدو وإن كان العدوُّ لا يَقصدُهم) جامع المسائل لابن تيمية (5/ 302)
الرازيُّ: «… فالكافر أبدًا يسعى بأعظم وجوه السَّعي في إيذاء المؤمنين وفي إلْقاء الشُّبهات في قلوبهم، وفي إلقائهم في وجوه المحنة والمشقَّة، وإذا وقعتِ المقاتلة زال الكُفر والمشقَّة، وخلُص الإسلام، وزالت تلك الفتن بالكليَّة. قال القاضي: إنه تعالى أمَرَ بقتالهم، ثم بيَّن العلَّة التي بها أوجب قِتالهم، فقال: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، ويخلص الدِّين الذي هو دِينُ الله من سائر الأديان، وإنَّما يحصُل هذا المقصود إذا زال الكُفر بالكليَّة! ثم حكَى الرازي الخلاف في كون محو الكُفر خاصًّا بأهل مكة أم بالعالَم كله: ثم قال: «… وأمَّا إذا كان المراد مِن الآية هو الثاني، وهو قوله: قاتلوهم لغرضِ أن يكون الدِّين كله لله، فعلى هذا التقدير لم يمتنع حملُه على إزالة الكُفر عن جميع العالَم؛ لأنَّه ليس كل ما كان غرضًا للإنسان، فإنَّه يحصُل، فكان المرادُ الأمرَ بالقتال لحصول هذا الغرض، سواء حصَل في نفس الأمر أو لم يحصل» [تفسير الرازي (15/ 483 – 484).]
ابن القيِّم: «قالوا: المراد من إرسال الرُّسل وإنزال الكتب إعدامُ الكُفر والشِّرك من الأرض، وأن يكون الدِّين كلُّه لله، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ} [البقرة: 193]، وفي الآية الأخرى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39]، ومقتضى هذا ألَّا يُقرَّ كافر على كُفره، ولكن جاء النصُّ بإقرار أهل الكتاب إذا أَعطَوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فاقتصرنا بها عليهم، وأخذنا في عموم الكفَّار بالنصوص الدالة على قِتالهم إلى أن يكون الدِّين كله لله…» [أحكام أهل الذمة (ص: 95)
هذا النوع من الجهاد هو ما قام به صحابة الرسول من أمثال عمر و معاوية، عندما غزوا بلدان كثيرة عن طريق الزحف العسكري الكاسح و سموا ذلك “فتوحات”.
و ما يفعله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) ما هو إلا استنساخ للسنة النبوية و للفتوحات الإسلامية. و اقتداؤه بالصحابة في هذا المجال هو عبادة و تقرب إلى الله.
و يتم فيه تخير الشعوب المغزوة بين ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال:
كما جاء في السنة: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا أَمَّرَ رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ قَالَ لَهُ ” إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ ، فَإِنْ أَجَابُوكَ ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ ، أَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ ، وَلَهُمْ مَا لَهُمْ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ ، إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ ، فَسَلْهُمْ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ ، فَإِنْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ”
و هذا ما فعله الصحابة أثناء “الفتوحات” و يعتبره المسلمون جزءا من أمجاد الإسلام. كما يعتبرونه من دلائل سماحة الإسلام لأنه كان دائما يخير الشعوب و لا يفرض عليهم – فقه الجهاد 971
و لأن من قام بهذا العمل صحابة كبار معصومون (حسب اعتقاد المسلمين)، فإن عملهم جزء من الدين. و كل من يستنكر عملهم هذا فهو يطعن في الإسلام و قد يتهم بالكفر و يهذر دمه في الدول المسلمة كنتيجة لذلك.
كما يجوز فيه استرقاق نساء و أطفال الشعوب التي وقع عليها الغزو: “فمن ذلك (يعني بها الشيخ القرارات التي يتخذها ولي أمر المسلمين و التي فيها مصلحة عليا للأمة): الإسترقاق للأسرى، و قد قال ابن القيم: إن النبي لم يسترق في حياته ذكرا بالغا قط، و إنما استرق النساء و الصبيان” – فقه الجهاد ص 974
و هذا ما فعله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام عندما استرق الأطفال و الفتيات الإيزيديات.
و يجوز فيه قتل الأسرى: لوجود حوادث كثيرة نقلت عن النبي في السنة، قَتَل فيها الأسرى – فقه الجهاد 974-977
- ****
هذا عن نوعي الجهاد، الذَيْن يتم فيهما قتال طرف خارجي. أما عن ما هو داخلي، فهناك أعمال أخرى تعتبر جهادا في الإسلام و هي:قتل المرتد: المرتد هو المسلم الذي يرجع عن دين الإسلام و يغير معتقده (كأن يصبح مسيحيا مثلا أو ملحدا). ويستند هذا على السنة التي يقول فيها الرسول: «مَن بدَّلَ دِينَه فاقْتُلوه» – فقه الجهاد 197-198
تغيير المنكر بالقوة: كما جاء في السنة: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده» – فقه الجهاد 224. هذا الحديث الذي يوجد في الإسلام هو النص الذي اعتمدت عليه الجماعات الإسلامية التي استعملت السلاح ضد النظام المصري.
تطهير جزيرة العرب من غير المسلمين: كما جاء في السنة: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» – فقه الجهاد 260 و 1012. وكما جاء في فهم المسلمين للآية القرآنية التي تقول: “فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم”.
واستنادا أيضا إلى فكرة مستقرة في وجدان مسلمي الجزيرة العربية، مفادها أن الله فضلهم على غيرهم عندما نزل القرآن بلغتهم، و بعث الرسول منهم، و جعل الكعبة في أرضهم – فقه الجهاد260.
و قد اعتمد تنظيم القاعدة على هذه النصوص الإسلامية عندما قام بعملياته في السعودية (عملية الخُبَر مثلا).
- *****
- إذن الإسلام دين يقسم العالم إلى قسمين: قسم يسمى “دار إسلام” و يعيش فيه المسلمون و من هم تحت حمايتهم. و قسم آخر مقابل و يسمى “دار حرب”، يعيش فيه الكفار.و فيه عبادة من أرفع العبادات و هي القتال من أجل إعلاء كلمة الله، و يجوز فيها:
قتل المدنيين من أطفال و نساء و شيوخ إذا اقتضى القتال ذلك
غزو بلاد غير المسلمين من أجل تحويلهم إلى مسلمين أو محميين إذا دفعوا الجزية، أو مقاتلتهم إذا رفضوا
استرقاق صبية و نساء الشعوب التي وقع عليها الغزو الإسلامي
قتل الأسرى
قتل المسلم الذي يتحول إلى دين غير الإسلام
استعمال العنف عند مخالفة تعاليم الإسلام في الشارع العام
التطهير الديني لمنطقة جغرافية معينة و جعلها خالصة لأتباع الإسلام دون غيرهم
و هذا لا ينسجم كثيرا مع مقولة “الإسلام ليس دين عنف. الإسلام دين سلام. الإسلام ضد الإرهاب”. و يثبت أن كلاما من هذا القبيل هو إما كذب أو جهل بالإسلام.
و للتذكير، فقد عرضت عبادة “الجهاد” كما وردت في نصوص الإسلام و كما طبقت عمليا في السنة النبوية. و كل الجامعات التي تدرس العلوم الإسلامية، تحتوي مقرراتها على هذه النصوص، و تعتبرها جزءا أصيلا من الإسلام. و أردت بهذا أن أثبت أنه ليس هناك إسلام معتدل و آخر متشدد. بل هناك إسلام واحد يعتنقه غالبية المسلمين، و يحمل في طياته هذه المفاهيم الغير مسالمة.
و يتشابه فيه الوهابي و الداعشي و الإخواني و المعتدل. بل يبقون كلهم إخوانا في العقيدة!
فالأزهر مثلا رفض أن يُكفِّر أتباع داعش الذين يسفحون دماء الناس و يستحلون حرماتهم و يسترقون صبيانهم و بناتهم، و اعتبرهم مسلمين، لكن فقط ضالين. لكنه كَفّر و بدون تردد كتاب و مفكرين عظام، و اعتبرهم مرتدين و أهذر دمهم، فقط لأنهم ينتقدون و يحذرون من تعاليم دينية غير إنسانية و غير مسالمة.
و على أي، فالأزهر محق في اعتبار داعش مسلمين، لأنهم لا يطبقون إلا تعاليم الإسلام هذه و بكل تفان. و محق أيضا في اعتبار أولئك المفكرين كفارا لأنهم استنكروا تعاليم كهذه و أدانوها. قد يثور البعض قائلا “أنت تجعل الأوروبيين يعتقدون فعلا أن هذا هو الإسلام!”…
و سؤالي: أليس المسلمون هم من عرفوا هذا على أنه الإسلام؟ أليس هذا هو الإسلام الذي يبرؤونه؟ و إذا ظهر الآن أن هذا ليس إسلاما، فماذا يكون و ماذا سيسمى أتباعه؟
إذا لم يكن هذا إسلاما، فما على المسلمين إلا أن يعلنوا رفضهم الصريح و المطلق لنصوص القتل و السحل و الإعتداء و البغي و الإستعباد هذه، و التبرؤ منها و ممن جاؤوا بها. أليس هذا أقل شيء؟
و قد يقول قائل، إذا كان هذا هو دين أكثر من مليار مسلم في العالم، لماذا فقط أقلية منهم هم من يفجرون و يقتلون؟ الجواب على هذا بسيط و هو أن أغلب المسلمين لا يطبقون الإسلام بحذافيره. فتجد مثلا مسلمين يطبقون بعض التعاليم كالصلاة و الصيام…و يهملون بعضا كالحجاب بالنسبة للنساء و كالجهاد و كالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلخ…
و لو سألت أي مسلم في الشارع، هل يعتبر نفسه مسلما حقيقيا، فسيجيبك بالنفي. و سيرد عليك بأن الإسلام الحقيقي فيه أشياء كثيرة لا يقدر على تطبيقها من قبيل القتال في سبيل الله نصرةً للإسلام و المسلمين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (باليد) إلخ…
نعم، و لحسن الحظ، هي فقط أقلية تلك التي تطبق الإسلام كما هو. أقلية من “المسلمين الحقيقيين” الذين لا يخافون أن ينعتوا بالإرهابيين، مادام ذلك من تعاليم دينهم. فهم “لا يخافون في الله لومة لائم” و الموت في سبيل الله هو أقصى أمانيهم.
و الذين ارتكبوا العمليات الإرهابية في أوروبا هم من هذه الأقلية.
و قاسمهم المشترك هو كونهم ر جعوا إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، بعد أن كانوا ضالين و أصحاب سوابق في ماضيهم…
رجعوا و عزموا على تطبيق تعاليم الإسلام التي فرطوا فيها، حتى تغفر لهم خطاياهم (يمكن العثور على شريط لأحمدي كوليبالي و هو يحكي قصة رجوعه إلى “الطريق المستقيم” بعد سنوات من الضلال).
و كان أول تلك التعاليم، الجهاد، تلك “الفريضة الغائبة” كما تعرف في أدبيات الإسلاميين.
و به تحولوا من شبان منغمسين في اللهو و الإنحراف بكافة أنواعه، إلى “راديكاليين” انتحاريين لا يتوانون في تفجير أنفسهم، بشكل أذهل الأوروبيين و شكل لهم لغزا لم يستطيعوا حله.
و هو في الحقيقة أبعد ما يكون عن اللغز، إذا عرفنا مكانة الجهاد في الإسلام و مكانة المجاهد الذي يقاتل الكفار من أجل الموت. و كيف أنه يحسب شهيدا بعد موته، و يدخل الجنة دون حساب و لا عقاب، مهما امتلأ ماضيه بالخطايا.
لا يوجد لغز. فالراديكالية الإسلامية ليست انحرافا عن تعاليم الإسلام كما يدعي المسلمون و الأوروبيون على السواء. بل هي، على العكس تماما، رجوع إلى تعاليمه الحقيقية.
و أهم هذه التعاليم و أجزلها أجرا: قتال الكفار.
الإسلام فيه ثلات اتجاهات كبرى: سنة، شيعة و متصوفة
فالقرضاوي هو رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، و عضو بارز في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي. وله مكانة مرجعية في الإسلام من حيث كونه يملك سلطة الإفتاء، أي التحليل و التحريم في الدين. كما أنه يمثل الإسلام المعتدل، لا ذاك “المتشدد” الذي يمثله الوهابيون أو ذاك “المتطرف” الشاذ و الإستثنائي الذي يمثله بن لادن و الظواهري و داعش…
و كتابه هذا جاء جامعا لكل التراث الإسلامي حول موضوع الجهاد.
و بما أن هذه الأقوال و الأفعال نقلت رواية عن الرسول بعد وفاته بأكثر من قرنين من الزمن، كان لابد من وسيلة يتم بها التحقق من صحة تلك الرواية، في عصر لم يعرف مسجلات الصوت أو الصورة. وكانت هذه الوسيلة هي “علم الحديث”، من خلال فرعه الأهم “علم الرجال” الذي يعنى يالتدقيق في سيرة الأشخاص الذين نقلوا أقوال و أفعال الرسول، للتحقق من خلوهم من الخطأ و الكذب. و سمي هؤلاء الأشخاص بالرواة، و سميت رواياتهم بالحديث.
الشق “القتالي” لمفهوم الجهاد هو الذي جعل الإسلام مثيرا للجدل. و هو ما استدعى ظهور أئمة على شاشات التلفاز في أوروبا. و للإشارة، فكلمة “جهاد” تأتي في كتب الفقه الإسلامي بمعنى “القتال”. و نستعملها في هذا البحث بالمعنى نفسه. ولما كان من طبيعة القتال أن يكون طرف معاد لطرف، جاء الإسلام بمفهومي “دار الإسلام” و “دار الحرب”، الذين قسما العالم إلى قسمين، و شكلا مفهومين مرجعيين في وعي المسلمين عند تعاملهم مع غير المسلمين – فقه الجهاد 865.
و الجهاد عبادة مِن العبادات كما جاء في السنة: “مَثَلُ المجاهِد في سبيل الله كمَثَل الصائم القائم، القانت بآياتِ الله، لا يَفتُر من صيام ولا صلاة،حتى يرجعَ المجاهد في سبيل الله تعالى”
و هو أرفع العبادات أجرا في الإسلام كما جاء في الحديث: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَنَامُ الْعَمَلِ. بل هو أفضل من الحج الذي يعتبره المسلمون ركن الإسلام الأعظم، حيث جاء في الحديث: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ”- فقه الجهاد 505-602
و يسمي الإسلام المجاهد الذي يقتل في المعركة بالشهيد. و هي مرتبة عظيمة تلي مرتبة الأنبياء و الصديقين في الجنة، حسب مفهوم المسلمين.
و أفضل الشهداء هو ذلك الذي يدخل المعركة كي يُقتَل، كما جاء كما جاء في الحديث أن رجلا سأل النبي: “أي الشهداء أفضل؟”
قَالَ : ” الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي الصَّفِّ لَا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا أُولَئِكَ فِي الْجَنَّةِ يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي مَوْطِنٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ “.
قَالَ : ” الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي الصَّفِّ لَا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا أُولَئِكَ فِي الْجَنَّةِ يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي مَوْطِنٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ “.
و الجهاد نوعان:جهاد دفع:
وهو القتال الدفاعي الذي يتم فيه دفع عدوان خارجي عن دار الإسلام. وهو لا يختلف عن “المقاومة” بالمفهوم العصري إلا في تفصيل واحد…و هو أنه يجوز فيه قتل مدنيي دولة العدو.يقول الشيخ القرضاوي في فتواه عن جواز العمليات التي تفجر فيها “حماس” حافلات المدنيين في إسرائيل و تقتل الأطفال و النساء:
“فقهاء المسلمين اتفقوا -أو اتفق جمهورهم- على جواز قتل المسلمين إذا تترس بهم الجيش المهاجم للمسلمين…فإذا جاز قتل المسلمين الأبرياء المكرَهين للحفاظ على جماعة المسلمين الكبرى، فأن يجوز قتل غير المسلمين، لتحرير أرض المسلمين من محتليها الظالمين أحق و أولى”- فقه الجهاد 1194.
“فقهاء المسلمين اتفقوا -أو اتفق جمهورهم- على جواز قتل المسلمين إذا تترس بهم الجيش المهاجم للمسلمين…فإذا جاز قتل المسلمين الأبرياء المكرَهين للحفاظ على جماعة المسلمين الكبرى، فأن يجوز قتل غير المسلمين، لتحرير أرض المسلمين من محتليها الظالمين أحق و أولى”- فقه الجهاد 1194.
و يختم قائلا: “و ما وجد على غير الضرورة المشروعة، من قتل أطفال و نساء و شيوخ، فهو يأتي عن طريق الخطأ غير المقصود، أو عن طريق الضرورة التي تفرضها الحرب بطبيعتها، و لا سيما في عصرنا. و ما جاء للضرورة لا يجوز أن يتوسع فيه، بل يبقى استثناء، و تظل القاعدة مستمرة و ثابتة، و هي: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها” – فقه الجهاد 1197.
جهاد طلب: وهو ذلك النوع من القتال الذي يتم فيه “طلب العدو في عقر داره و تعقبه، بغية توسيع أرض الإسلام أو تأمينها” لأسباب منها “تمكين الجماهير في أرضه من أن تستمع إلى الدعوة الجديدة، دعوة الإسلام. فلا بد من إزاحة هذه الحواجز أمام الشعوب، حتى تبلغ دعوة الله إلى الناس كافة” – فقه الجهاد ص 68-69.
بل إن فقهاء المسلمين جعلوا غزو بلاد الكفر أو التوغل في أراضي الكفار، مرة كل سنة، فرض كفاية على الأمة، ممثلة في حلفائها و أمرائها، الذين تولوا المسؤولية عن أمورها – فقه الجهاد 96.
و يستمد مشروعيته من السنة في مواضع كثيرة، نذكر أشهرها:
“أمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله وأن محمد رسول الله ، ويـقـيـمـوا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى”
“بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم”
“من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق”
كما يستمد مشروعيته من نصوص وردت في القرآن، وبخاصة في سورة التوبة، يفهم منها المسلمون أنها تأمر بقتال المشركين كافَّةً “كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً” (التوبة 36). آية يفهمون أنها تحمل توجيهًا عامَّا، وقاعدة للتعامل مع غير المسلمين كافة.
كما أن هناك إجماعا بين علماء المسلمين على مشروعية غزو الكفَّار في عقر دارهم، وإن لم يَبدؤوهم بقِتال. و اختلفوا فقط في كونه فرْض كفاية أم فرْض عين.
و هذه مقتطفات من أقوال أشهر هؤلاء العلماء:
ابن تيمية: (واللهُ قدْ فرَض على المسلمين الجهادَ لمن خرجَ عن دِينه وإنْ لم يكونوا يُقاتلوننا، كما كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وخلفاؤه يُجهِّزون الجيوش إلى العدو وإن كان العدوُّ لا يَقصدُهم) جامع المسائل لابن تيمية (5/ 302)
الرازيُّ: «… فالكافر أبدًا يسعى بأعظم وجوه السَّعي في إيذاء المؤمنين وفي إلْقاء الشُّبهات في قلوبهم، وفي إلقائهم في وجوه المحنة والمشقَّة، وإذا وقعتِ المقاتلة زال الكُفر والمشقَّة، وخلُص الإسلام، وزالت تلك الفتن بالكليَّة. قال القاضي: إنه تعالى أمَرَ بقتالهم، ثم بيَّن العلَّة التي بها أوجب قِتالهم، فقال: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، ويخلص الدِّين الذي هو دِينُ الله من سائر الأديان، وإنَّما يحصُل هذا المقصود إذا زال الكُفر بالكليَّة! ثم حكَى الرازي الخلاف في كون محو الكُفر خاصًّا بأهل مكة أم بالعالَم كله: ثم قال: «… وأمَّا إذا كان المراد مِن الآية هو الثاني، وهو قوله: قاتلوهم لغرضِ أن يكون الدِّين كله لله، فعلى هذا التقدير لم يمتنع حملُه على إزالة الكُفر عن جميع العالَم؛ لأنَّه ليس كل ما كان غرضًا للإنسان، فإنَّه يحصُل، فكان المرادُ الأمرَ بالقتال لحصول هذا الغرض، سواء حصَل في نفس الأمر أو لم يحصل» [تفسير الرازي (15/ 483 – 484).]
ابن القيِّم: «قالوا: المراد من إرسال الرُّسل وإنزال الكتب إعدامُ الكُفر والشِّرك من الأرض، وأن يكون الدِّين كلُّه لله، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ} [البقرة: 193]، وفي الآية الأخرى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39]، ومقتضى هذا ألَّا يُقرَّ كافر على كُفره، ولكن جاء النصُّ بإقرار أهل الكتاب إذا أَعطَوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فاقتصرنا بها عليهم، وأخذنا في عموم الكفَّار بالنصوص الدالة على قِتالهم إلى أن يكون الدِّين كله لله…» [أحكام أهل الذمة (ص: 95)
هذا النوع من الجهاد هو ما قام به صحابة الرسول من أمثال عمر و معاوية، عندما غزوا بلدان كثيرة عن طريق الزحف العسكري الكاسح و سموا ذلك “فتوحات”.
و ما يفعله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) ما هو إلا استنساخ للسنة النبوية و للفتوحات الإسلامية. و اقتداؤه بالصحابة في هذا المجال هو عبادة و تقرب إلى الله.
و يتم فيه تخير الشعوب المغزوة بين ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال:
كما جاء في السنة: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا أَمَّرَ رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ قَالَ لَهُ ” إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ ، فَإِنْ أَجَابُوكَ ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ ، أَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ ، وَلَهُمْ مَا لَهُمْ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ ، إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ ، فَسَلْهُمْ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ ، فَإِنْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ”
و هذا ما فعله الصحابة أثناء “الفتوحات” و يعتبره المسلمون جزءا من أمجاد الإسلام. كما يعتبرونه من دلائل سماحة الإسلام لأنه كان دائما يخير الشعوب و لا يفرض عليهم – فقه الجهاد 971
و لأن من قام بهذا العمل صحابة كبار معصومون (حسب اعتقاد المسلمين)، فإن عملهم جزء من الدين. و كل من يستنكر عملهم هذا فهو يطعن في الإسلام و قد يتهم بالكفر و يهذر دمه في الدول المسلمة كنتيجة لذلك.
كما يجوز فيه استرقاق نساء و أطفال الشعوب التي وقع عليها الغزو: “فمن ذلك (يعني بها الشيخ القرارات التي يتخذها ولي أمر المسلمين و التي فيها مصلحة عليا للأمة): الإسترقاق للأسرى، و قد قال ابن القيم: إن النبي لم يسترق في حياته ذكرا بالغا قط، و إنما استرق النساء و الصبيان” – فقه الجهاد ص 974
و هذا ما فعله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام عندما استرق الأطفال و الفتيات الإيزيديات.
و يجوز فيه قتل الأسرى: لوجود حوادث كثيرة نقلت عن النبي في السنة، قَتَل فيها الأسرى – فقه الجهاد 974-977
هذا عن نوعي الجهاد، الذَيْن يتم فيهما قتال طرف خارجي. أما عن ما هو داخلي، فهناك أعمال أخرى تعتبر جهادا في الإسلام و هي:قتل المرتد: المرتد هو المسلم الذي يرجع عن دين الإسلام و يغير معتقده (كأن يصبح مسيحيا مثلا أو ملحدا). ويستند هذا على السنة التي يقول فيها الرسول: «مَن بدَّلَ دِينَه فاقْتُلوه» – فقه الجهاد 197-198
تغيير المنكر بالقوة: كما جاء في السنة: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده» – فقه الجهاد 224. هذا الحديث الذي يوجد في الإسلام هو النص الذي اعتمدت عليه الجماعات الإسلامية التي استعملت السلاح ضد النظام المصري.
تطهير جزيرة العرب من غير المسلمين: كما جاء في السنة: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» – فقه الجهاد 260 و 1012. وكما جاء في فهم المسلمين للآية القرآنية التي تقول: “فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم”.
واستنادا أيضا إلى فكرة مستقرة في وجدان مسلمي الجزيرة العربية، مفادها أن الله فضلهم على غيرهم عندما نزل القرآن بلغتهم، و بعث الرسول منهم، و جعل الكعبة في أرضهم – فقه الجهاد260.
و قد اعتمد تنظيم القاعدة على هذه النصوص الإسلامية عندما قام بعملياته في السعودية (عملية الخُبَر مثلا).
قتل المدنيين من أطفال و نساء و شيوخ إذا اقتضى القتال ذلك
غزو بلاد غير المسلمين من أجل تحويلهم إلى مسلمين أو محميين إذا دفعوا الجزية، أو مقاتلتهم إذا رفضوا
استرقاق صبية و نساء الشعوب التي وقع عليها الغزو الإسلامي
قتل الأسرى
قتل المسلم الذي يتحول إلى دين غير الإسلام
استعمال العنف عند مخالفة تعاليم الإسلام في الشارع العام
التطهير الديني لمنطقة جغرافية معينة و جعلها خالصة لأتباع الإسلام دون غيرهم
غزو بلاد غير المسلمين من أجل تحويلهم إلى مسلمين أو محميين إذا دفعوا الجزية، أو مقاتلتهم إذا رفضوا
استرقاق صبية و نساء الشعوب التي وقع عليها الغزو الإسلامي
قتل الأسرى
قتل المسلم الذي يتحول إلى دين غير الإسلام
استعمال العنف عند مخالفة تعاليم الإسلام في الشارع العام
التطهير الديني لمنطقة جغرافية معينة و جعلها خالصة لأتباع الإسلام دون غيرهم
و هذا لا ينسجم كثيرا مع مقولة “الإسلام ليس دين عنف. الإسلام دين سلام. الإسلام ضد الإرهاب”. و يثبت أن كلاما من هذا القبيل هو إما كذب أو جهل بالإسلام.
و للتذكير، فقد عرضت عبادة “الجهاد” كما وردت في نصوص الإسلام و كما طبقت عمليا في السنة النبوية. و كل الجامعات التي تدرس العلوم الإسلامية، تحتوي مقرراتها على هذه النصوص، و تعتبرها جزءا أصيلا من الإسلام. و أردت بهذا أن أثبت أنه ليس هناك إسلام معتدل و آخر متشدد. بل هناك إسلام واحد يعتنقه غالبية المسلمين، و يحمل في طياته هذه المفاهيم الغير مسالمة.
و يتشابه فيه الوهابي و الداعشي و الإخواني و المعتدل. بل يبقون كلهم إخوانا في العقيدة!
فالأزهر مثلا رفض أن يُكفِّر أتباع داعش الذين يسفحون دماء الناس و يستحلون حرماتهم و يسترقون صبيانهم و بناتهم، و اعتبرهم مسلمين، لكن فقط ضالين. لكنه كَفّر و بدون تردد كتاب و مفكرين عظام، و اعتبرهم مرتدين و أهذر دمهم، فقط لأنهم ينتقدون و يحذرون من تعاليم دينية غير إنسانية و غير مسالمة.
و على أي، فالأزهر محق في اعتبار داعش مسلمين، لأنهم لا يطبقون إلا تعاليم الإسلام هذه و بكل تفان. و محق أيضا في اعتبار أولئك المفكرين كفارا لأنهم استنكروا تعاليم كهذه و أدانوها. قد يثور البعض قائلا “أنت تجعل الأوروبيين يعتقدون فعلا أن هذا هو الإسلام!”…
و سؤالي: أليس المسلمون هم من عرفوا هذا على أنه الإسلام؟ أليس هذا هو الإسلام الذي يبرؤونه؟ و إذا ظهر الآن أن هذا ليس إسلاما، فماذا يكون و ماذا سيسمى أتباعه؟
إذا لم يكن هذا إسلاما، فما على المسلمين إلا أن يعلنوا رفضهم الصريح و المطلق لنصوص القتل و السحل و الإعتداء و البغي و الإستعباد هذه، و التبرؤ منها و ممن جاؤوا بها. أليس هذا أقل شيء؟
و قد يقول قائل، إذا كان هذا هو دين أكثر من مليار مسلم في العالم، لماذا فقط أقلية منهم هم من يفجرون و يقتلون؟ الجواب على هذا بسيط و هو أن أغلب المسلمين لا يطبقون الإسلام بحذافيره. فتجد مثلا مسلمين يطبقون بعض التعاليم كالصلاة و الصيام…و يهملون بعضا كالحجاب بالنسبة للنساء و كالجهاد و كالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلخ…
و لو سألت أي مسلم في الشارع، هل يعتبر نفسه مسلما حقيقيا، فسيجيبك بالنفي. و سيرد عليك بأن الإسلام الحقيقي فيه أشياء كثيرة لا يقدر على تطبيقها من قبيل القتال في سبيل الله نصرةً للإسلام و المسلمين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (باليد) إلخ…
نعم، و لحسن الحظ، هي فقط أقلية تلك التي تطبق الإسلام كما هو. أقلية من “المسلمين الحقيقيين” الذين لا يخافون أن ينعتوا بالإرهابيين، مادام ذلك من تعاليم دينهم. فهم “لا يخافون في الله لومة لائم” و الموت في سبيل الله هو أقصى أمانيهم.
و الذين ارتكبوا العمليات الإرهابية في أوروبا هم من هذه الأقلية.
و قاسمهم المشترك هو كونهم ر جعوا إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، بعد أن كانوا ضالين و أصحاب سوابق في ماضيهم…
رجعوا و عزموا على تطبيق تعاليم الإسلام التي فرطوا فيها، حتى تغفر لهم خطاياهم (يمكن العثور على شريط لأحمدي كوليبالي و هو يحكي قصة رجوعه إلى “الطريق المستقيم” بعد سنوات من الضلال).
و كان أول تلك التعاليم، الجهاد، تلك “الفريضة الغائبة” كما تعرف في أدبيات الإسلاميين.
و به تحولوا من شبان منغمسين في اللهو و الإنحراف بكافة أنواعه، إلى “راديكاليين” انتحاريين لا يتوانون في تفجير أنفسهم، بشكل أذهل الأوروبيين و شكل لهم لغزا لم يستطيعوا حله.
و هو في الحقيقة أبعد ما يكون عن اللغز، إذا عرفنا مكانة الجهاد في الإسلام و مكانة المجاهد الذي يقاتل الكفار من أجل الموت. و كيف أنه يحسب شهيدا بعد موته، و يدخل الجنة دون حساب و لا عقاب، مهما امتلأ ماضيه بالخطايا.
لا يوجد لغز. فالراديكالية الإسلامية ليست انحرافا عن تعاليم الإسلام كما يدعي المسلمون و الأوروبيون على السواء. بل هي، على العكس تماما، رجوع إلى تعاليمه الحقيقية.
و أهم هذه التعاليم و أجزلها أجرا: قتال الكفار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق